السبت، 16 نوفمبر 2013

البدلة..........قصة قصيرة


________________
وقفت أتأمل البدلة القابعة منذ فترة طويلة فى ذلك الدولاب الأثرى .
تلك البدلة التى بقيت ورحل عن عالمنا كل من ارتداها
جدى الأكبر (ظافر) أول من ارتداها..طالعت الصور الفوتوغرافية التى يظهر فيها مرتدياً تلك البدلة، كم كان وسيما عريض المنكبين..كيف كان آسراً للقلوب بصوته المتهدج الودود.
كانت البدلة وقتها خضراء اللون ..ظهر ذلك جلياً أمامى بالصور، ورغم أن البدلة كانت مناسبة جداً لجدى، إلا أنه أبى على نفسه أن يظهر بصورة الفتى الارستقراطى ، أبى ان يتنكر لأصوله الريفية، وقرر أن يخلعها ويقرضها لكل فرد من أفراد عائلتنا ، أراد أن نتشارك ارتداء البدلة...كان يعتقد أن ذلك سيذيب الفجوات ويقرب المسافات بين أفراد الأسرة.
الا أن ذلك لم يرق لكثيرين من أعداءه، الذين تآمروا عليه ، فمات الرجل كمداً ، تاركاً من وراءه البدلة..

انتقلت البدلة لتلتصق بجسد جدى (أنور)..ليتحول لونها الأخضر الزاهى إلى لون اسود قاتم ، تحتل النياشين حيزاً لا بأس به ، ألمح ذلك فى صورته التى يمسك فيها بالبايب الذى كان نادراً مايفارق شفتيه السوداوتين.
ورغم ان انور كان جسورا ...الا انه نادراً ما التفت الى افراد الاسرة الفقراء، كان يفضل ان يجالس كبار رجال الاعمال ، الذين كانوا يمتدحون عقله...ويمتدحون بدلته أكثر.
وفى أخر أيامه، شعر بأن هناك من يدبر لإزاحته، فتوسط لدى المأمور ليفرج عن طارق واخيه عاصم، فى محاولة منه لكسب ودهم ..إلا انه لم يكن يعلم أن ذلك مثله مثل ان يمد الحاوى يده داخل كيس ملئ بالثعابين على أمل ألا يفترسوه.
وبالفعل...كان طارق هو من أجهز عليه برصاص عديم الرحمة.

جاء الدور على (حسنى) الاخ غير الشقيق لانور...واكثر من ارتدى البدلة..فبهت لونها وتحول إلى لون رمادى قاتم مثير للاشمئزاز..كان حسنى أنانياً ...لا رحماً يصل ، ولا رحمة يهب..
شلته الأثيرة أفسدته وافسدها، ولأن مصالحها معه، فقد أوحت اليه ان يجهز ابنه ليخلفه فى ملكه، لكن عائلتنا كانت قد ضاقت ذرعاً بفساده، فثارت ثائرتها، وتجمعوا حول قصره وارغموه على الرحيل...

دخل الاهالى القصر ، وعثروا على البدلة، فألبسوها ل (موسى) ، الذى كانت تظهر عليه علامات الورع والتقوى، وعدهم انه سيصحح كل اخطاء من سبقوه ، ولن يضار فقير ولن يظلم احد فى عهده.
لكن موسى كان كالحرباء ، يتلون فى كل ضوء ، تنكر لوعوده و حنث بأيمانه ، وقرب إليه اخوته فقط.
عندما نظرت لصورته وهو يرتدى البدلة...أحسست ان البدلة كانت غير مناسبة له...كانت واسعة ورحبة ، يكاد يظهر رأسه وكفى يديه فقط من خلالها.

ثارت عائلتنا من جديد على موسى...واجبروه هو الآخر على الرحيل بلا رجعة...

-أقف الآن امام تلك البدلة...أريد ان ارتديها...فانا اعلم قيمتها جيداً...سأوفيها حقها، ولن أهينها...لكن أمى أخبرتنى أن لن يرتديها أحد سوى عمى (عبد الفتاح)..قالت لى :- انت لسه صغير يا ابنى...عمك عبد الفتاح هيعرف يراعيها...
رددت عليها بصوت خفيض:- أياً من سيرتديها...سيرحل وتبقى هى...ستبقى البدلة.
___________
محمد عبد العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق