الخميس، 11 أكتوبر 2012

الكومبارس...قصة قصيرة....بقلم: محمد عبد العزيز

الكومبارس...قصة قصيرة
___________________________
-حاسب ياحضرة الظابط
كانت هذه الجملة الوحيدة التى سيلقيها (هشام مدكور) ,الكومبارس المتواضع , والذى ظل طوال الليل يكررها خوفا من نسيانها وقت التصوير., فهذة أول مرة ينطق أمام الكاميرا, بعد شهور من العمل ككومبارس صامت , كان فردا من ضمت مئات ممن يطلق عليهم (المجاميع)..وهم من يمثلون دور المارة فى الشوارع ,او الجنود فى المعارك الحربية, او حتى يمرون امام الكاميرا...دون ان ينبسون ببنت شفة.
أما اليوم فالوضع مختلف, فهشام سيتكلم, وهو مايعتبره تقدما كبيرا فى حياته المهنية كفنان, هو يرى أنه موهوب ,بل يظن انه اكثر موهبة من نجوم معروفين,يملأون شاشات التليفزيون والسينما.
هى وان كانت جملة بسيطة, الا انه يعتبرها البداية الحقيقية له فى عالم الشهرة
حضر هشام الى موقع التصوير منذ الصباح الباكر,قبل طاقم العمل باكمله, التهم ساندويتش الفول ,ثم احتسى كوب الشاى, حتى اتى المخرج ومساعديه .,.ثم اتى نجوم العمل تباعا..,واطلق المخرج صيحة عالية يأمر الجميع بالهدوء, ثم استدعى هشام وقال له بلهجة آمرة:- بص يابنى...الاستاذ احمد عز بيمثل دور الظابط اللى بيطارد عصابة من المجرمين...واحد منهم هيرفع عليه السلاح ويحاول يضربه بالنار....انت بقا هتقول : حاسب ياحضرة الظابط, وانا بعد جملتك هقول (كت)...ماتزودش ولاتنقص اى كلام....مفهوم؟
رد هشام:- مفهوم حضرتك
جلس المخرج فوق كرسيه ثم نادى بصوت عالى: أكشن
انطلق اربعة ممن يقومون بدور المجرمين فوق دراجتين بخاريتين, يحملان اسلحة رشاشة, وهموا بإطلاق النار نحو الظابط,فصاح هشام قائلا:- حاسب ياحضرة الظابط
انهى جملته, وانتظر صيحة المخرج ,, الا انه لم يسمع المخرج يقول( كت) ..مثلما اتفقا...
سدد بصرة ناحية المخرج,,الا انه لم يجد اثرا له...
ولم يجد اثرا لاى من فريق العمل.......
اختفوا جميعا....وكان الارض ابتلعتهم من فوق سطحها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يبق سوى الظابط والمجرمين...اللذين شرعوا فى استخدام اسلحتهم الالية , ووجهوها نحو صدر الظابط,الذى لم يكن منتبها لهم.
فكر هشام ان ينقذ الظابط من مرمى النيران,الا ان تاريخا من الرعب جال فى ذاكرته
تذكر تعذيب ابيه له بنيران حامية اذا ما اخطأ,تذكر الضرب المبرح الذى كان يتلقاه على ايدى مدرس الرياضيات فى الابتدائى,تذكر خوفه من الاماكن العالية والمرتفعات, تذكر رهبته وهيبته من البحر والسباحة, وكان لذلك اثرا فى حياته ..جعلته شخصا منطويا, جعله مهمشا فى حياته وفى دراسته وفى عمله, جعله مجرد عدد يضاف الى ملايين البشر.
تذكر كل هذا واكثر, الا ان رجلا بريئا غير منتبه, يواجه الموت , ولا امل سوى ان ينقذه
لمح احد المجرمين يشرع فى الضغط على زناد الرشاش...فالقى هشام بكامل جسده فوق الظابط ..وتلقى رصاصة بدلا منه...ثم ازاح الظابط جانبا ...وانقض فوق الدراجتين من الخلف .
كانت قفزته هائلة بحيث طرحت المجرمين ارضا, احدهم ارتطمت راسه بالاسفلت , وكُسرت ساق الثانى , اما الثالث فقام بتوجيه لكمة قوية افقدته الوعى فورا
وبينما يتأهب لضرب الرابع....وجده يوجه سلاحه مباشرة فى رأسه
وفى عينيه قسوة لا مثيل لها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نطق هشام بالشهادتين وانتظر رصاصة تستقر فى رأسه, الا انه سمع رصاصة بالفعل , واحس بجسد ثقيل يهوى فوقه, مضرجا فى دمائه, فعلم ان الضابط الذى انقذه سابقا , هو من اطلق نيران مسدسه على المجرم الرابع...
أزاح هشام جسد الرجل, وقام ليشكر الضابط الذى انقذ حياته
قال له هشام فى امتنان:- شكرا يافندم
رد الضابط:- انا اللى مفروض اشكرك ...انت انقذت حياتى وقضيت على اربعة من اخطر المجرمين فى مصر...دلوقتى لازم تروح المستشفى عشان الجرح اللى ف كتفك
تفرس هشام ملامح الرجل وقال فى استعجاب:- مش المفروض ان حضرتك احمد عز الفنان؟
رد الضابط مبتسما:- انا صحيح شبهه...لكن انا الرائد( شريف صالح)...من مكافحة المخدرات
_______________
كانت كل علامات التعجب فى الدنيا ترتسم فوق وجه هشام, فاين ذهب طاقم عمل الفيلم واين ذهب احمد عز...الا ان الشجاعة والاقدام التى قام بها, جعلت شعور التعجب يتوارى امام احاسيس جديدة لم يشعر بها من قبل
احساس انه شجاع مقدام واجه خطرا وانقذ حياة وساهم ف القبض على مجرمين
احساس انه مثل طائر يريد ان يجوب كل سموات العالم مفتخرا بجرأته وشجاعته
وقرر قرارا
قرر الا يعمل ككومبارس مرة اخرى...
حياته الان اختلفت , ولن يسمح لنفسه الا بدور البطولة..
وبينما هو غارق فى احاسيسه المتداخلة , قابل اخيه(عماد) , الذى بادره قائلا:-
_انت فين يا هشام, احنا بندور عليك من الصبح
رد هشام:- خلاص ياعماد...انا مش هشتغل كومبارس تانى
استعجب عماد من قول اخيه وقال له:- انت عمرك ما اشتغلت كومبارس يا هشام, انت محاسب فى شركة مصر للتامين
ثم اطرق براسه يفكر, وتأكد ان هشام اخيه لم يتعاطى ال (سيبرام)...الدواء المعالج لحالة السكيتزوفرينيا التى يعانى منها منذ سنوات
ثم سأله مستفسرا:- انت خدت الدوا النهاردة ياهشام.؟
رد عليه هشام قائلا:- مخدتوش ياعماد...ومش هخده تانى من النهاردة
هشام النهاردة بقا بطل ياعماد
هشام مش ممكن يشتغل كومبارس تانى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد عبد العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق