ام دنيا
كنت استعد للذهاب الى عملى..حين باغتتنى صرخة عالية كادت ترج المنزل..وتزلزل اركانه...سالت أمى عن مصدر هذة الصرخة فأخبرتنى أنها (أم دنيا) جارتنا ويبدو أن موعد وضعها قد حان...
(أم دنيا)...هى اكبر السيدات سنا فى حارتنا,,الكل تعجب حينما علموا بنبأ حملها المفاجئ...فالنساء فى ذلك العمر لايحملن,,فضلا على ان بدنها قد غزته امراض الشيخوخة من كبد وضغط وسكر وخلافه..كلنا توقعنا ألا يتم هذا الحمل..الا ان صرختها تدل على ان اليوم ستتكسر كل توقعاتنا على صخرة الواقع.
انجبت ام دنيا قبل ذلك ثلاثة اولاد...الاكبر مات مسموما,والاوسط مات مقتولا بالرصاص, والاخير محبوس بتهمة السرقة .كم رايتها تذرف الدموع على ماحل باولادها,كم تحسرت على مافعله ابنائها ..مافعلوه جعلها تتمنى لو ان تقبض روحها..جعلها تطاطئ راسها وهى تسير فى الحارة,الا ان ايمانها جعلها تتقرب الى الله وتشكو له قلة حيلتها وهوانها على الناس...
ويبدو ان الله اراد ان يعوضها خيرا,,فرزقها الله هذا الحمل على كبر...عانت كثيرا فى شهوره التسع...فأنى لامراه فى حالها وسنها ان تتحمل ~الام حمل قد تنوء به شابة صغيره...كاملة الصحة والانوثة...
سمعت نداء امى تستعجلنى حتى نصل الى بيت ام دنيا ...فهرعت ارتدى حذائى..وتابطت امى ذراعى وانطلقنا الى ام دنيا..هناك وجدناها وقد اشتد بها الالم....وتصبب وجهها عرقا...
-انزل هات عربية توصلنا المستشفى بسرعة
...هكذا امرتنى امى ...فهززت راسى موافقا..ونزلت مسرعا اقطع درجات السلم عدوا .وبينما انا الهث ,استوقفنى الحاج (حسين)...جارنا ..رجل ملتح متدين يناديه الناس دوما بالشيخ...اعلم ان تعليمه متوسط...الا انه يخطب فى الناس يومى الثلاثاء والجمعة اسبوعيا..ومؤخرا بدا فى تقديم برنامج على قناة دينية..ابى يعتبره متشددا منفرا للناس ...ولكننى ارى مريديه يزيدون يوما بعد يوم....
سالنى الشيخ عن سبب هرولتى فاخبرته عن ام دنيا فعرض على ان يوصلنا بسيارته الجديدة...فوافقت من فورى وناديت على امى ان تصحب ام دنيا فورا وتاتى لنستقل سيارة الشيخ.
عندما شاهدت السيارة الفارهة...تعجبت من الرجل الذى طالما نادى بالزهد والصبر على شظف العيش..لكننى اوقفت تساؤلاتى ونحيتها جانبا فالرجل مشكورا قرر ان يوصلنا وهذا هو المهم الان..
كان الطريق مزدحما للغاية,و ام دنيا تصرخ صرخات عالية متتالية...والشيخ يحاول ان يهدئ من روعها: -الصبر يا ام دنيا...ان الله مع الصابرين..
فجاة رن هاتف الشيخ المحمول...وعندما انتهى من مكالمته نظر الى والخجل يعتريه وقال:- استميحك عذرا يابنى...لابد ان اذهب الان لجمعة (نصرة الشريعة الاسلامية)...فهذا فرض عين على كل مسلم....ولا تقلق ساوقف لك سيارة اجرة تستقلها بالسلامه الى المستشفى....ولاتنس ان تطمننى عل ام دنيا...
ونحن ننتظر سيارة اجرة.....اذ بسيارة تقف لنا يستقلها صديق لى اسمه (صلاح مدكور)...لم التق به منذ تخرجنا من الجامعة...تغيرت ملامح وجهه قليلا ...لحية خفيفة تكسو وجهه....وعلامة صلاة تحتل مساحة لاباس بها من جبهته...عرض علينا ان يقلنا الى اقرب مستشفى...
فى طريقنا علمت انه انضم لجماعة الاخوان...عدد لى مرات اعتقاله وكيف عانى من النظام الفاسد المستبد,,كيف كانوا يقتحمون بيته فجرا,,,كيف حرم من ابناؤة ليال طوال...كان الحياة فيهن اشبه بالموت
كان يستطرد فى حديثه بشكل مبالغ فيه..وكان يسلك بسيارته طرقا جانبيه عديدة...اخبرته ان هناك طريقا اقصر للوصول الى المستشفى ..اجابنى انه يحفظ طرق القاهرة عن ظهر قلب...طالت المسافة وطال الوقت و ام دنيا يكاد الالم يفترسها...اقسمت ان الطريق الذى اقصده لن يستغرق خمس دقائق...فنظر لى صلاح باستهزاء..وقال لى : انت هتعرف اكتر منى
-رددت عليه بحده: ايوه اعرف اكتر منك...الست هتموت وانت لففتنا الكرة الارضية...نزلنا هنا لوسمحت
نزلنا من السياره ولم ننتظر كثيرا حتى مر بجوارنا عربة تابعة للجيش...يستقلها ضابط شاب استوقفه منظر ام دنيا وهى تتعذب بسبب الامها...فقرر ان يقلنا الى اقرب مستشفى للقوات المسلحة...
لم نستغرق كثيرا حتى وصلنا الى المستشفى...رافقنا ام دنيا حتى غرفة العمليات...وماهى الا دقائق معدودات...حتى انطلقت حنجرة الوافد الجديد باول بكاء ..دخلنا لنشاهده..كان اية فى الجمال والبراءة.....بينما كانت امه مازالت تحت تاثير البنج..
فى اليوم التالى ..وبعد ان ذهب عنها اثر البنج..طلبت ام دنيا ان تشاهد وليدها....فطلبت من الممرضة ان تحضر الطفل...اتت به وعلى وجهها علامات الارتباك والتوتر...وماان ازاحت عنه غطاءه حتى عرفت سبب توترها وارتباكها...فما كان تحت الغطاء لم يكن طفلا...بل كان باختصار: مسخا..بكل ماتحمله الكلمة من معان..
انطلق صوتى زاعقا..وارغيت وازبدت كثيرا.....فناشدتنى الممرضة الهدوء...وتنخت بى جانبا , اخبرتنى ان سيادة اللواء (حمدى)..هو من اخذ الطفل واستبدله بهذا المسخ المشوه.....حتى لا تتاذى زوجته نفسيا
ثم اخبرتنى ان اللواء وزوجته غادرا المستشفى وبصحبتهما الطفل.......انطلقت كالمجنون اجوب شوارع القاهرة بحثا عن اللواء كى انتزع منه الطفل انتزاعا....كان الغسق يملا سماء القاهره التى اكتظت بالغيوم...وكان قلبى يمتلئ غلا وحقدا.....وددت لو افترست هذا اللواء الظالم.....ومثلت بجثته ليكون عبرة لكل من يفكر فى الظلم....
وصلت فيلا اللواء..,..اعترض طريقى حرس الفيللا ...حاولت ان اقاومهم لكنهم كانوا اكثر عددا واشد قوة....ويبدو ان صراخى وصل الى مسامع سيادته...فامرهم باعتقالى فورا.....وارسلونى الى السجن الحربى...
.كانت تهمتى تكدير الامن العام ولتخطيط لاشاعة الفوضى والتخريب فى مصر......حكم على القاضى العسكرى بالحبس ثلاث سنوات....
بعد سماعى الحكم....اقسمت فى المحكمه.....اننى ساسترد الطفل ولو كلفنى ذلك عمرى
اقسمت بذلك والحماس يغمرنى...بينما كان الخوف يحتل كل شبر من اعين سيادة اللواء....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق