الأحد، 21 أبريل 2013

اديله فرصة....قصة قصيرة


اديله فرصة....قصة قصيرة
___________________
كانت عروقها النافرة المكتظة بدم انتهك حرمته جيش من الفيروسات دليلا على موت وشيك،وبينما يجاهد كبدها المهترئ للبقاء بضعة أيام على وجه الحياة،اكتسى وجهها بصفرة اختلط بها سواد كئيب..
كانت (وفاء) تعلم أن الموت قادم لامحالة،كل ما كان يقلقها ويزيد ألم جسدها المكدود أطفالها الصغار الذين لم يشبوا عن الطوق، ويواجههم مصير مجهول بعد أن تلقى منيتها الوشيكة،ورغم أن عويس زوجها كان يحاول أن يبث فى أوصالها بعض من سراب أمل بعيد ، الا ان رايتها البيضاء دوما كانت تحتل قبضة يدها فى انتظار ان ترفعها فى أى وقت.
جاءها عويس ذات يوم زاعقا منتشيا مخبرا اياها ، أنه سيصطحبها الى الدكتور (شوكت البحيرى) استاذ جراحة الكبد ، الرجل الذى ذاع صيته بين أقرانه اطباء الكبد، والذى تستدعيه انجلترا دورياً للقيام بجراحات دقيقة.
استقلا سويا ميكروباصا اقلهم من شمبارة الميمونة الى الزقازيق، همس عويس فى اذنها :- بكرة تخفِّى ياوفاء ونيجى نتفسح هنا فى الزقازيق، واجيبلك الجيلاتى اللى بتحبيه.
طالعته وفاء بعينيها المائلتين للاصفرار وقالت بصوت واهن:-ماكانش له لازمة التعب والمصاريف ياعويس.. ماكانش فيه داعى ان..
قاطعها عويس قائلا- قوللى انتى بس يارب
ردت فى وهن:- يارب
**************
فحصها الطبيب فى عجل ، وبنظرة ثاقبة استمدها من خبرة سنوات العمر..شخص المرض،أخبرهما أن العلاج موجود ، المهم أن تبدأ وفاء فى تناول الاقراص فورا ولمدة 3 سنوات متتالية، صحيح ان نسبة الشفاء نتيجة تناول العقار لاتتجاوز 50% الا انه السبيل الوحيد المتاح حالياً
أخذ عويس الروشتة من الطبيب واصطحب زوجته المنهكة، وهم بمغادرة العيادة ، الا ان صوتا اجشا اتاه من خلفه قائلا:-
استنى ياعويس ...انا عاوزك
************
كان صاحب الصوت (حمدى) ذلك الممرض الثلاثينى ممتقع الوجه صاحب النظارة الطبية المتهالكة والتى انزلقت فوق انفه الضخم فاعطته شكلا شبيها بصراف يهودى بخيل.
همس حمدى فى أذن عويس قائلا:- بص يابن الناس ، مراتك ممكن تخف لو عملت عملية جراحية،سيبك م الدوا بتاع الدكتور مش هيجيب نتيجة...
قال له عويس:- طب وانت عرفت مرضها وعلاجها ازاى يعنى عدم اللامؤاخذة؟
ارتسمت ابتسامة صفراء تليق بوغد فوق وجه حمدى وقال:- أنا مع الدكتور شوكت بقالى 30 سنة ، خلاص عرفت سر المهنة..لولا القواضى والمحاكم كنت فتحت عيادة.
ثم استطرد قائلا:- خد بالك العمليه مش هتكلفك غير 5000 جنيه،لكن الدوا بتاع الدكتور فى 3 سنين ممكن يكلفك50 الف جنيه.
-طب وانت هتعمل العملية فين
-هنا..فى اودة العمليات بتاعة الدكتور...بعد مايمشى
****************
كان لابد أن يأخذ عويس رأى كبار العائلة ، أخبره عمه سعفان أنه يعلم حمدى جيدا منذ ان كان صغيرا، اثنى على ذكاؤه ومهارته، وقال ابوه ان حمدى انسان متدين، لن يفعل الحرام ابدا فهو يراه يوميا مرتاداً للمسجد ، ولن يضلك ابدا..
انزوى به خاله الشربينى وقال له
بص ياعويس...الواد ايده تتلف ف حرير، ياما عمل عمليات لاهل البلد وكلهم زى الفل دلوقتى
-بس ياخال دى عمليات طهور ودمامل
- ياعويس الواد خبرة ...حضر كل العمليات مع الدكتور، وبعدين خد بالك ده هيوفر ف الفلوس جامد...50 الف جنيه هتجيبهم منين ياعويس افندى؟
كانت نظراتهم اليه صامتة الا انه قرأ مابها
قرأ جملة واحدة:- اديله فرصة
************
اعطاه عويس فرصة عمره، التى طالما انتظرها ، وكأن روح الطبيب حلت بجسده الممتلئ فمسك المشرط ، واطل بنظره نحو الكبد المتهالك...هذا هو العرق الذى يمتلئ بدم فاسد ...سأقطعه الان...ثم اتجه نحو هذا الغشاء فابتره من مكانه، بقى لى فقط تلك الدهون اللعينة التى تمكث فوق حواف الكبد،
ماهذا...ماهذا الدماء التى اندفعت كالشلال حتى انها وصلت وجهه فلوثت النظارة المتهالكة..
ان الدماء كالنافورة، ولايستطيع ان يفعل شيئاً...
هرول خارجا من غرفة العمليات، والذعر يملأ قسمات وجهه وأفرد ساقيه للرياح، فاستبد القلق بعويس الذى اندفع ليطمئن على زوجته...فوجدها غارقة فى بركة من الدماء
**********
محمد عبد العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق