______________________________
وقعت عساكر الجيش الأبيض فى مصيدة لافكاك منها إلا بمعجزة، فقد قبع الملك فى مربعه الاثير، دون أن يتحرك قيد أنملة ،ودون أن يصدر أوامره لقادة جيشه بالتحرك الفورى لإنقاذ العساكر المسكينة،بل أنه لم يعترض على الحركات غير المفهومة التى يقوم بها وزيره من حين إلى آخر،والذى كان يذرع أرض المعركة،مجيئا وذهابا دون تهديد حقيقى لقوات الجيش الأسود،مما أدى به الى ان يقع بين براثن حصان أسود انقض عليه بلا هوادة فأقصاه فورا من فوق رقعة المعركة.
صار الجيش الأبيض بلا قائد بعد انتهاء حياة الوزير،وفكرت العساكر البيضاء بالرجوع لحماية ملكهم وطابياتهم ، إلا أن قواعد المعركة كانت تحتم عليهم عدم الرجوع والتقدم دوما فى خط مستقيم وعدم الانحراف يمينا او يسارا.
سرت همهمات متذمرة بين العساكر البيضاء،فقوات الجيش الاسود أكثر تنظيماً وأدق حركة،وهى تتقدم بلا هوادة نحو الطابيات المسكينة التى انزوت فى اقصى الرقعة بلاحول ولا قوة.
صار الأمر جد خطير، فاقترح احد العساكر البيضاء، أن يثوروا على قانون اللعبة،أن يتحركوا فوق الرقعة فى كل الاتجاهات، لحماية أرضهم فليس بعد الموت أى منطق.
لكنهم اكتشفوا أن مصيرهم ليس بأيديهم، إنما هو بيد هذا الشخص الذى يجلس فى مقابل رقعة الشطرنج والذى تمتد يده الطويلة فيمسك هذه القطعة ، ويحرك الاخرى ، ويعرض احدهم للموت دون سبب مفهوم.
لكن ضوءاً للأمل ظهر فى الافق ، فأحدهم كان قد تقدم كثيرا فوق مربعات الرقعة ،ووصل إلى آخر مربع فى أرض الجيش الأسود،وهذا معناه شئ واحد:- أن هذا الجندى، سيترقى الى مرتبة الوزير.
كانت العساكر تلهث من فرط الترقب،وحاولوا قدر استطاعتهم تشتيت انتباه قوات الجيش الاسود، حتى أن نصف عددهم قد مات مضحيا بنفسه من اجل ذلك العسكرى، الذى أصبح وزيرا .
تنفس الجيش الابيض الصعداء،وسرت الفرحة بين الطابيتان والحصان الوحيد المتبقى والبقية الباقية من العساكر،ثم قرر الملك ان يستدعى وزيره الجديد، لكن شيئا ما بنفس الوزير دفعه لعصيان أمر الملك،فهو الذى كاد أن يفقد حياته من أجل الجيش، وهو الذى عرض نفسه للخطر ، لماذا لايتقلد هو منصب الملك؟ هو الوحيد الذى يستحق هذا المنصب.
فصم أذنيه عن نداءات الملك المتكررة، وانطلق مستمتعا بحركات لم يكن يفعلها وهو جندى يمشى الى الامام فقط.
انطلق كالاخرق يقف أمام الحصان الاسود تارة والفيل الاسود تارة أخرى،دون تهديد حقيقى، مجرد استعراض لحركات كان يتمنى القيام بها وهو عسكرى .
وبينما يتملكه الزهو والنشوة،ارتدى وزير الجيش الاسود رداء المكر والحيلة، وانطلق يحصد ارواح العساكر البيضاء الواحد تلو الاخر،ثم انهى على الطابيتين، واجهز على الحصان المتبقى ووقف امام الملك فى شموخ ،يحميه فيلاً أسود من على بعد.
استسلم الملك الابيض،فنطر وزيره الجديد اليه ، وحاول الرجوع حثيثاً لانقاذه،إلا أنه شعر أن روحه تصل الى حلقه، وان قاعدته المغناطيسيه قد فقدت التصاقها بالرقعة..
وهوى جسده مرتطما بها بقوة..
وانتهت حياة الفيل الابيض...انتهت بلا رجعة.
________________
محمد عبد العزيز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق