الجمعة، 1 مارس 2013

العجوز والمسمار.......قصة قصيرة..........محمد عبد العزيز


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشهد حقيقى -1

لم يكن وحيداً كما ظن، فقد رافقته هموم الدنيا تتقافز فوق كتفيه،وتعتلى ظهره المنحنى بفعل السنين،اختار مقعداً خشبياً متهالكاً يتوسط حديقة تآكل عشبها وتحول للاصفرار،وضع جريدة الاهرام بجواره، وطفق ينظر نحو المجهول،وتداعت ذكريات أليمة لتحتل مخيلته ، زوجته التى ودعت الحياة منذ عشرين عاماً،تاركة له همّ تربية الابناء، الذين بمجرد أن تلقفتهم أيادى الحياة العملية، وانخرطوا بدوامات العمل والزواج،نسوا أو تناسوا أن هناك أب ينبض قلبه بحنين لامتناهى نحوهم، سافر منهم من سافر وبقى منهم من بقى، لكنهم جميعاً تركوه يتنفس هواء الوحدة ،ويرتشف مرار الصبر.
ثم امتلأ كيانه بأسئلة لاحصر لها..لماذا يبقينى الله على قيد الحياة وأنا بلا فائدة، لماذا اتجرع يومياً يأساً لافِكاك منه،لماذا تستهدفنى الوحدة ، بينما تهجر الآخرين تاركة لهم متعة الاستمتاع بوصل الابناء والاحباب.
ثم أطرق برأسه نحو الأرض، فلاحظ مسمارا معدنياً اعتلاه الصدأ، فالتقطه برفق وحدثه قائلاً:- أنت أيضاً ضحية الزمن،يتآكل معدنك يومياُ،مثلما تتآكل روحى البائسة...تعالى ياصديقى
ثم دسه فى جيب قميصه، وترك مقعده، ثم غادر الحديقة واختفى عن الأنظار.
____________________________
2-مشهد افتراضى

اتى محسن وزوجته وطفلهم الوحيد(رامى) والذى رزقهم به الله، بعد حرمان من الانجاب دام ثمانية أعوام كاملة،أتوا جميعا إ‘لى الحديقة ذاتها ،وبينما يلهو رامى فى أرجاءها وحول المقعد الخشبى المتهالك،إذ بالمسمار الصدئ يخترق قدمه الصغيرة، ويستفز الدماء القابعة بأوردته الدقيقة لكى تنهال كالسيل فوق عشب الحديقة ..
وبينما يأكل الفزع قلب أمه ، تعامل محسن مع الأمر بشكل هادئ أقرب الى البرود، اصطحب الاثنين الى المنزل، والقى على الجرح بضعا من مسحوق القهوة.طلبت منه الزوجة ان يفحصه طبيب متخصص، لكن محسن رفض ذلك ، وأصر أن الأمر بسيط، ولايستدعى كل هذا الاهتمام.
لكن الميكروب بعد فترة،كان قد تغلغل فى دماء رامى ، وانقض يهاجم كل أجهزته الحيوية، فارتفعت حرارته بطريقة جنونية، ونقل الى المستشفى ، لكن بعد فوات الأوان، فقد تغلب عليه الموت ، وأنهى حياته.
دخل بعدها محسن فى حالة من الهياج، سلمته تسليما الى براثن الاكتئاب، فكان ذنب الطفل الصغير يتمثل أمامه كل دقيقة، بل قل.... كل ثانية.وكانت نظرة زوجتة نحوه كسكين حاد يغرس نصله بقلبه طوال الوقت، نظرة تحمل كل عتاب الدنيا.
وأصبحت الحياة بعدها مستحيلة ، بعد أن أخبرهم الاطباء ان لافرصة لهم للانجاب مرة أخرى،فطلق زوجته، وانزوى بعيداً عن الانظار يجترُّ حزنه، وتداهمه دوامات الكآبة، حتى أطلق على نفسه الرصاص.
___________________
كانت كل هذه الأحداث ستحدث، لو لم يلتقط العجوز ، مسمارا صدئا
....مجرد مسمار صدئ
____________________
محمد عبد العزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق