
عندما انهى الدكتور(احمد فريد) فحصه للطفل الصغير المصاب بالحمى..شرع فى كتابة التذكرة الطبية..فعاودته مشاعره المضطربة مرة اخرى...وتصبب العرق من وجهة....واندفعت الذكريات الاليمة تتوهج داخل عقله بجنون..
كان احمد وبشهادة اقرانه طبيبا نابها...الكل توقع له مستقبلا باهرا...اختار لنفسه طب الاطفال تخصصا...وبدا اسمه فى الذيوع .,وتناقل الناس اخباره واثنوا كثيرا على براعته,,الى ان حدثت... الكارثة التى زلزلت كيانه
كان ذلك منذ عشر سنوات...حينما اتى اليه والدا طفل صغير لم يتعد الخامسه من عمره...كان محموما ويهذى بكلام غير مفهوم...فحصه احمد الذى كان متعجلا لارتباطه بموعد مع خطيبته...فكتب له فى التذكره نوعا من الحقن اسمه(اسبيجيك) ...ونوعا اخر خافضا للحراره...ومضادا حيويا
اليوم التالى اتاه الوالدان ينتحبان...فقد فقدا فلذة كبدهما..وقره عينيهما..مات الصغير...وادرك احمد انه السبب
ادرك انه اخطا عندما قام بوصف الاسبيجيك....فهذا النوع قد يقتل الاطفال دون العاشرة...وعلى عكس ماتوقع.. لم يوجه أحد اللوم له يومها ..فالابوان كانا مؤمنين ان هذا قدر الله واجب النفاذ... وكلاهما أجمعا على أن الحادث كان شيئا لا يمكن تجنبه...حاول احمد بعدها مساعدتهما...تكفيرا لذنبه الا انهما لم يقبلا منه اى شئ...مما زاده ذلك ألما كان يعتصر نفسه يوميا
انتزعه نداء الممرضه انتزاعا من ذكرياته المؤلمة...اخبرته أن هذا الكشف هو الاخير هذا اليوم
ارتدى بدلته ثم نزل واستقل سيارته...كان قبل ان يذهب عائدا الى منزله يسلك يوميا طريقا نحو بيت هذا الطفل الذى تسبب بموته...كان يعتقد ان هذا بمثابة نوع من التخليد لذكرى الطفل
وبينما يقود سيارته اذ برجل تخطى السبعين من عمره يتكئ على عصا خشبية..يشير اليه بيده ...فتوقف احمد للرجل وفتح له باب السيارة
كان الرجل يعانى من ضيق بالتنفس ...فكانت الكلمات تخرج منه بصعوبة..ثم اخرج من جيب بدلته بخاخا قام بوضعه فى فمه..وقام باستنشاق الرذاذ المنبعث منه..فارتسمت على وجههه علامات الارتياح
قال احمد:- الف سلامه عليك ياحاج
-الله يسلمك ياابنى
-على فين ال....
لم يكمل احمد جملته ..فقد ابصر اطفالا يلعبون الكرة فى شارع جانبى...شارع قريب من الطفل الذى تسبب بموته..ولولا وقوع الحادث لكان ذلك الطفل يلعب الآن مع الأطفال الآخرين
اكمل احمد جملته بعد برهة..فقال:-على فين العزم ان شاء الله ياحاج
-ياريت يا ابنى توصلنى المقابر اللى على اول الطريق الصحراوى
اختلس احمد النظر الى وجه الرجل العجوز....فتيقن انه هو..
هو جد الطفل الذى تسبب فى موته..لقد قابله فى العزاء...صحيح ان التجاعيد كست وجهه الا انه اقسم انه هو
انطلق مسرعا بالسيارة حتى وصلا المقابر...هناك اندفع العجوز نحو لحد صغير ووضع عصاه جانبا وبدا فى التحدث بصوت خفيض
كان حارس المقابر يقف على مقربة منهما فذهب اليه احمد ...سأله عن العجوز فاخبره انه يزور حفيده المتوفى منذ عشر سنوات...توفى بسبب خطا دكتور اطفال
سأله احمد عن والدى الطفل
اجابه ان الاب توفى بعد موت طفله بعام واحد...ومالبثت أن لحقت بهما الأم كمدا وحزنا
تدلى فك احمد السفلى وأحس بالدم يهرب من وجهه...فمايقوله هذا الرجل يعنى أن الجد عاش وحيدا طوال هذة السنوات...
-انى احترم هذا الرجل جدا..قالها الحارس ثم استطرد:-لقد وعد ان يزور حفيده يوميا منذ ان توفى
ولم يخلف وعده قط
انهى الجد زيارة قبر حفيده...ثم ركب بجوار احمد وقال له اسف يا ابنى عطلتك
بس ده وعد انا قطعته على نفسى لان حبيبى قبل مايموت كان بيقولى:- اوعدنى ياجدو تيجى كل يوم البيت تشوفنى
قطع احمد مسافة بالسيارة قبل ان يقول:- سيدى ان الامر محرج..لكن انا الطبيب الذى تسبب فى وفاة حفيدك..وانا لا انام من وقتها
انتظر احمد الرد من العجوز...انتظر طويلا ولكن لم يكن هناك رد
توقف احمد عند حافة الطريق واستدار باتجاه الجد
لم يتحرك العجوز ...كانت عيناه مغمضتين..وعلى وجهه ارتسمت ابتسامه خفيفه..
لقد اوفى بوعده لحفيده..وهو الان فى طريقه اليه
....فى طريقه الى الجنة
محمد عبد العزيز
12-4-2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق