الجمعة، 1 مارس 2013

بائع البطاطا الصغير....قصة قصيرة.....محمد عبد العزيز

بائع البطاطا الصغير....قصة قصيرة
___________________________
مشهد -1
قبعت شمس يناير الخجولة بين أحضان سحب كثيفة تناثرت فى أرجاء السماء كجيش من القطن الأبيض ، يحاول الزحف نحو كبد السماء ليحتله احتلالاً،وعلى الرغم من غزوهِ المنظم لعين الشمس التى كادت ان ترفع راية الاستسلام امام جحافل السحب ، الا ان شعاعا جسورا استطاع كسر حصار السحب، واستجمع قواه بعد رحلة قاسية من السماء إلى الارض،ليعانق وجها أسمر اللون دقيق القسمات،اعتلته هموم الدنيا رغم أنه لم يكمل ال 15 عاماً،الحاح بطنه الخاوية منذ الصباح الباكر ، لم يثنه عن الدفع بقوة وعزيمة لعربة البطاطا التى يعمل عليها عِوضاً عن ابيه الذى افترسه المرض افتراساً،كانت نفسه تمتلئ بأمل أن يعود الى ابيه واخوته بايراد"محترم" ، وعد أمه ان يحضر لها البسبوسة التى تشتهيها...وتحول خياله لريشة ترسم ابتسامة عريضة على ثنيات قلبه الصغير،عندما تخيل فرحة امه ،بينما عجزت شفتيه ان تطاوع رسالة القلب لهما بأن يبتسما..أحيانا يغتصب الالم ملامح البهجة من فوق الوجه.،ويتركه كقطعة بلاستيكية لاروح فيها.
تطلع (عمر) فى ترقب حذر نحو ثلة من عساكر الأمن المركزى ،وانقبض قلبه الصغير عندما ازداد عددهم ، وارتفع وقع البيادات الثقيلة كطبول حرب هادرة كادت تصم أذن الصغير،كان تجمّعهم بهذا العدد نذير شؤم بالنسبة له،فهذا باختصار يعنى اقتراب اشتباكات مع المتظاهرين ، وبالتبعية فشل يومه وعودته الى منزله خالى الوفاض،وخالى الجيب ايضا.
أحد العساكر طفق يداعب بندقيته الجديدة التى تسلمها ذاك الصباح من الوزارة،متغزلا فى امكانياتها الحديثة المتطورة ،وكعاشق يلامس ثنيات جسد معشوقته بشهوة ، تسللت يده نحو زنادها يعبث به ، كما يعبث العاشق بثغر حبيبته، ورغم تحذيرات زملائه، الا انه قرر ان يجرب دقة تصويبه ، فأشهر بندقيته نحو أكواز البطاطا التى تعتلى سطح عربة الصغير (عمر) ، وبدأ فى اطلاق النار..
لكن يديه خانتاه خيانة امرأة العزيز لزوجها، فانطلقت رصاصة تحمل قذارة الدنيا، لتسبر غور الصغير (عمر)، وتسير فى دمه لتدنس عروقه الصغيرة دون اكتراث وعلى وجه الرصاصة ارتسمت ابتسامة صفراء وكأنها امرأة لعوب تزهو بانتصار وضيع.
اندفع صديقه (سيد) بائع المناديل نحوه فى ذعر بالغ، وحاول أن يُقيم جسده، الا ان الروح كانت قد عزمت أن تودع الجسد الصغير،فتراخى الجسد وكأنه قطعة من الصلصال، وبدأت العينان تودعان شعاع الشمس الذى عانقهما منذ قليل،بينما تراصت كلمات معدودة فوق شفتيه المائلتان للازرقاق:- كان نفسى اكون محترم ياسيد...كان نفسى الناس تحترمنى.

مشهد(2)
نهار داخلى..فى مكتب وزير الطيران المدنى، الذى حدق مشدوها نحو (عمر محمد مرسى) كسائح غربى يحدق فى دهشة واعجاب نحو تمثال شمعى دقيق الصنعة فى متحف مدام تيسوت.
-احنا يشرفنا انك تشتغل معانا ياباشمهندس عمر
-ربنا يكرمك، بس مش هتعملولى انترفيو ولا اختبارات؟
-يافندم انترفيو ايه بس، هو احنا نطول واحد بكفاءتك يشتغل معانا؟
-بس انت عارف الصحافة والاعلام القذر هيطلع اشاعات وكلام فاضى، مانت عارف هما مستقصدينا اليومين دول.
-بسيطة ، هنقول لهم انك عملت انترفيو ونجحت ف كل الاختبارات،وانت بنفسك اللى كنت مصمم على كده.
ابتسم عمر محمد مرسى، وودع الوزير بابتسامة مقتضبة، ثم استقل سيارته الفارهة، وانطلق كفارس منتصر يمتطى ظهر حصان عربى أصيل، حينما استوقفه مشهد عشرات الناس يلتفون حول جثمان (بائع البطاطا الصغير).
لم يفكر فى النزول لاستطلاع الأمر، معتقداً ان الحادث لايتعدى سوى ان القتيل بلطجى أردته رصاصات الامن.
داس بقوة فوق دواسة الوقود، فاطلقت العربة صريرا مخيفا،وازاحت كميات هائلة من تراب الشارع الذى غطى وجوه الناس، وأحاط بجثمان (بائع البطاطا الصغير)
أحاط به تراب عربة ابن الرئيس ..............احاطة كاملة
______________
محمد عبد العزيز
14-2-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق